كيف تنفعك هذه الحياة إن داخلك ميت ، جثة هامدة في زاوية من زوايا هذا الجسد .
و ها هو الانسان
تائه مجددا في عصر المدنية ، باحثا عن القيم و المثل العليا .ليطبقها و يسير عليها لأنه يشعر في اعماق
روحه بالفراغ القاتل .
سواء طال الزمن او
قصر تبقى الحاجة الى القيم و المثل العليا من المتطلبات الروحية للانسان، التي يجب غرساها و
تنميتها في نفسه ليعيش حياة منسجمة، و متناغمة مع الطبيعة و مع من حوله .
لم يعد العلم وحده
كافي للإنسان لمعرفة طريق الحق و الرشاد ، لذا اصبح من الضروري ان يعيد صياغة مثله
وفق متطلبات العصر الذي يعيش فيه، و هذا ما يحتم عليه صياغة المثل و القيم العليا علي
اساس راسخ و متين حتى لا يخرج عليها، و تتجرأ نفسه على دوسها.
بنظرة متصفحة للمجتمعات
التي اصبحت ترى ان بعض او جل القيم التي كانت سائدة في الماضي و تعتبر عليا و سامية
، هي اليوم من المثبطات للمجتمع نفسه، و بالتالي يجب الخروج عليها، و نقضها بأخرى
اكثر عملية في الحياة اليومية، حتي إن كانت تتعارض مع البنية التحتية للمجتمع. ان
هذا المطلب بالخروج لا يعني بالضرورة ان الانسان اصبح لا يؤمن بها بقدر ما يعني
انه اصبح عمليا الى حد بعيد ، و بالتالي فهو يبحث عن قيم عملية قابلة للتطبيق في
الحياة. لكن بالمقابل هو يعلم يقينا أن تلك المثل الماضية انقى و اسمى من تلك السائدة في يومنا هذا .
ان عقلية التطبيق العملي في الحياة ، هي
اكبر تحد يواجه الانسان في حياته، ذلك ان المثل و القيم العليا ان تم الدوس عليها
من طرف فرد، او مجموعة من الافراد تصبح غير ذي معنى ، و بالتالي تُفرغ من محتواها
السامي. لأن البقية سترى في ذلك هضم لحقوقها و بالتالي ستطالب بالخروج عليها.
مثلا الحرية - التي هي واحدة من القيم و المثل العليا - ان لم تُرفق
بالمسؤولية، و لم تعطى للجميع بالتساوي،
ستكون حتما لها عواقب وخيمة على بنية الفرد و المجتمع، لان الحرية و المسؤولية
تجعل الفرد امام القانون الذي هو فوق الجميع، اما ان كانت حرية دون مسؤولية فإنها
ستكون عرجاء.
على هذا الاساس يتحتم
على الانسان ان يعيد صياغة و غرس مثله في نفسه، مع مراعات عدم المساس بالبنية
التحتية للمجتمع ليمضي قدما في طريق التمدن .