في
الحياة هناك عدة مستويات، تختلف في عمقها باختلاف المستوى الذي تنتمي إليه و
المنبع الذي تنبع منه. و دون شك أن هناك اختلاف في مستوى فهمها و استيعابها على
نحو سليم. و هذا هو المغزى في الحياة الذي يجب عليك أن تفهمه و تستوعبه جيدا ،
لأنه سوف يحدد كيف ستكون نظرتك للحياة ، و الهدف من وجودك فيها اصلاً.
فكلما كان تفكيرك سليم ، و تأملك عميق بما فيه الكفاية
تجاوزت القشور ، قشور الحياة ، قشور العادات و التقاليد ، قشور البديهيات ، و وصلت
الى المنبع الصافي الذي سوف تروي به عطشك ، و تتخلص من الظمأ الذي ترزح تحت وطأته
اغلب البشرية. ستتخلص من تلك الانانية الحمقاء ، و ذلك الغباء الطائش ، و تلك
الكراهية المفرطة للأشياء و لبني جنسك ، ستحب كل شيء لأن له دوره في دورة الحياة ،
و ستحب بني جنسك لأن كل واحد لديه مكانه الخاص ، و دوره المنوط به الذي يجب ان
يلعبه ، سواء كان هذا الدور خيرا أو شرا ، و بإتقان لأنه إن شذ عنه ستحدث شروخ في الحياة
تختلف باختلاف هذا الشذوذ. عندها ستتقبل الجميع على ما هم عليه، و سوف تتضاءل نقاط
الاختلاف تدريجيا حتى تكاد تنعدم ، و ستتخلى عن فكرة و طموح تغيرهم، بل و أكثر من
ذلك ستتعايش معهم في سلام . دون أن تنخرط فيما يحبون أو يكرهون ، دون أن تصدر
الاحكام عليهم .
هذا المنبع لا يمكن أن تجده على قمم الجبال أو سفوح الوديان، أو
مغارات الجان. هذا المنبع الصافي و المقدس موجود في أعماقك ، ينبع من روحك ، إن
وصلت اليه و ارتشفت منه فسيغنيك عن جميع الينابيع الأخرى .
فكر و تأمل في تلك الاشياء البسيطة المحيطة بك، و كل ما هو في متناول يدك. إنها هبة من هبات الحياة
، و يمكن أن تسلب منك . ستكتشف أن هذا وارد جدا و أنه ليس من المستحيل أن تفقد ما
تملك. و سوف تبدأ بالغوص الى أعماقك في محاولة لمعرفة ردة فعلك العميقة ، عندها
فقط ستجد متعة لا توصف و رعب يحدوه شغف في سبر الأغوار ، سبر أغوارك بنفسك ، و في
كل مستوى و عمق جديد ستجد إجابة مختلفة،
ستكتشف عمق لم تصل إليه من قبل ، و في النهاية ستجد أنك تولد من جديد ، شيء يتجدد
بداخلك وكل خلية سيمسها هذا التجديد فيما يشبه جريان الماء على الأرض ، و كيف
يرويها و تخضر معلنتا عن بداية الحياة، كلما اكتسبت معرفة جديد تطفوا رويدا رويدا الى
السطح ، تظهر على ملامحك و محياك ، في معاملتك ، أسلوب حياتك ، و تصبح صفة من
صفاتك .
إنها الولادة الثانية لك ، و كلما كررت التفكير و التأمل
، و غيرة الاشياء كلما غصة عميقا ، و حصلت على أجوبة ستتحول تلك الاجوبة الى أسئلة
جديدة ، فيما يشبه السلسلة – سلسلة المعرفة – المتتالية و المترابطة في آن واحد.